"تسبيح الكائنات" ندوة الدكتور محسن عبد الحي حسن أمين عام المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة الكون كله يسبح.. فهل تأملت ذلك يوما؟ كل شيء يسبح ولكن هل تأملت يوما الكون من حولك أو الأشياء المحيطة بك متسائلا هل يسبحون؟ أتسبح الكواكب والنجوم؟، تلك القطة التي يلعب بها ويلهو الطفل الصغير تسبح ؟، هل تتصور المرأة أنها محاصرة داخل بيتها بحديقة مملوءة بالمسبحين والمسبحات وهي لا تدري؟..فكل ذرة أو مجرة..صغير وكبير في هذا الكون يسبح.. أما بالنسبة لتسبيح الجمادات التي يظن البعض أنها جامدة لا تتحرك و لكنها في حقيقة الأمر هي أيضا مسبحة لربها عز و جل ويذكر منها الرعد هذا الرعد الذي يأتي بعد وميض قوي وهو في هذه اللحظة الذي يدوي فيها صوت مرتفع للغاية يسبح الله الواحد القهار، وقد أنزل الله سورة كاملة باسم هذا الكائن هي سورة الرعد ثم تأتي الآية رقم 13 في سورة الرعد تقول "ويسبح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته ". كما يتحدث عن تسبيح الجبال مثلا كما قال تعالى في شأن نبيِّه داود عليه السَّلام {إنَّا سخَّرنا الجِبَال معه يُسبِّحنَ بالعَشيِّ والإشراق} (ص آية 18) فالتَّسبيح هو تنزيهٌ لله تعالى عن كلِّ نقصٍ لا يليق بكمال ذاته وصفاته، ومعنىً من معاني تمجيد عظمته وقدسيته، وصورة من صور إفراده بالعبوديَّة والطاعة والمحبَّة، فما من ذرَّة في هذا الكون ولا حصاة ولا حبَّة إلا وتنبض بالحمد والتَّسبيح لله، وما من حجر أو شجر أو ورقة أو زهرة، أو نبتة أو ثمرة إلا وتلهج بذكره والثناء عليه، فالكون الكبير الواسع المدى كلُّه حركة وحياة، وكلُّ دابَّة فيه، وكلُّ سابحة في الماء أو طائرة في الهواء، وكلُّ ساكن ومتحرِّك في الأرض والسماء يسبِّحون الله ويتوجَّهون إليه، ويشهدون بوحدانيَّة ربوبيَّته وألوهيَّته، وكلٌّ يضرعُ بطريقته ولغته البعيدة عن الفهم البشري. لا تفقهون تسبيحهم .. ويأتي المحور الثاني "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" ليوضحه دكتور محسن مؤكدا علي أنه ينبغي ألا يشغل كل منا نفسه بمظاهر هذا التسبيح فنحن نجد والحديث للدكتور محسن بعض المصطافين علي شواطئ البحر حين يعلو الموج ويهبط يقولون أنه في هذا التوقيت يسبح، بينما البعض الآخر حين يجد البحر في حالة من السكون والهدوء يفسرون ذلك بأن البحر في حالة من الخشوع والتسبيح، وبالمثل فهناك من يري في اهتزاز أوراق الأشجار يمنة ويسرة أنها في حالة تسبيح لله، بينما يري آخرون في سكونها خشوع وتسبيح..وهكذا، والعجيب أن الله جل وعلا يقول في كتابه "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" فكيف نؤول نحن ما لا نعرفه، موجها نداؤه إلي العلماء ألا يقتربوا من هذا الخط الأحمر الذي يوقع صاحبه في مهاترات لا يجني المسلمون من ورائها أي طائل. ذكر الدكتور عبد الحي في معرض حديثه قبل عرض فيلم مصور أنه تعيش في الأرض أنواع كثيرة من الكائنات الحية، وكل نوع من هذه الكائنات لديه خصائص مختلفة عن الأنواع الأخرى، فبعض الأنواع تهاجر من أقصى الأرض إلى أقصاها، وبالرغم من أجسامها الصغيرة تقطع مسافات هائلة وتصل إلى أهدافها دون تردّد، وفي هذا الفيلم عرض رحلات "فراشة المونارك"، وكل من الكائنات يتحرك بفضل الإلهام الذي مدّه به خالقه عزّ وجلّ.
فراشات المونارك لها أربعة أجيال، عمر فراشة المونارك من 5 إلى 6 أسابيع فقط في أجيالها الثلاثة الأولي، ويعيش نسلها الرابع أطول عمرا من نسلها الآخر، ويهاجر هذا النسل الرابع في رحلة تستغرق 8 أشهر تبدأ من كندا حتي الجنوب حيث تهاجر طائفة من المونارك إلي كاليفورنيا، وأخري إلي أقصي الجنوب حتي المكسيك، والعجيب فعلا أن تتقابل جميع الفراشات في الطريق لتهاجر سويا في الخريف في تلك الليلة التي يتساوى فيها الليل والنهار وتهاجر إلي المناطق الحارة جنوبا، وتمكث فراشات المونارك لمدة أربعة أشهر دون طعام منذ شهر كانون الأول (ديسمبر)، وحتى شهر آذار (مارس) وتتغذي علي الدهون من أجسادها ، وفي اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار تهاجر فراشات المونارك إلي الشمال ثم تموت في كندا ولكن قبل موتها تهيئ للحياة نسلا يضمن بقائها، يعيش هذا النسل ما بين شهر أو شهر ونصف حتي النسل الرابع الذي يعيش أكثر من الثلاثة الأول بستة أشهر كاملة، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يعيش واحد من بين أربعة أنسال أكثر من غيره رغم تمتعهم جميعا بنفس الخصائص؟، كيف تهتدي الفراشات لبدء هجرتها في اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار؟، كيف تهتدي الفراشات لطرق الهجرة وهي لم تهاجر إليها أبدا؟ أسئلة كثيرة ومتعددة لا إجابة لها سوي أن هذه الفراشات ألهمت وزودت بمميزات خاصة من لدن بديع السماوات والأرض سبحانه وتعالي. وعن نفس الموضوع صنع كارل لينوس وهو عالم نباتات ساعة من الزهور ليعلم بها الوقت خلال النهار ووضع عند كل رقم في الساعة زهور تتفتح في هذا الوقت فمثلا عند الساعة الواحدة وضع زهرة معينة تتفتح في هذه الساعة وهكذا..وأصبح لا ينظر للساعة العادية ولكن لهذه الساعة الوردية التي صنعها قال تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا) .
القندس..مهندس السدود
وفي المرحلة الثانية يقوم بتجميع الأغصان فوق بعضها لتشكيل الهيكل الخارجي مستخدما أعواد صغيرة مع كمية من الطين حيث لا يترك فيه أي فجوة أو ثقب، أما المواد التي يستخدمها القندس في بناء عشه فهي تساعد على تماسكه من جهة والحفاظ على درجة الحرارة داخله من جهة أخرى، فبالرغم من انخفاض درجة الحرارة في الشتاء إلى 35 درجة تحت الصفر فإن الحرارة داخل العش تبقى فوق الصفر باستمرار، ويقوم القندس أيضاً بإنشاء مخزن للأغذية تحت العش يتغذى منه طيلة فصل الشتاء، وفي تلك الأثناء يقوم القندس بإنشاء قنوات تحتية على شكل شبكة، ويبلغ طول هذه القنوات مترين يستطيع بواسطتها أن يصل إلى اليابسة حيث توجد الأشجار التي يتغذى عليها. o والسدود التي يبنيها تتألف من النباتات والأحجار التي يركمها فوق بعضها بالطريقة نفسها التي يبني بها العش، ويبذل هذا الحيوان جهده في رص الأغصان على شكل مثلث طويل يربط بين ضفتي المياه إضافة إلى رتق الفجوات الموجودة في السد عبر ملئها بالمواد اللازمة، وكلّ هذا يحدث وهو يسبح ضد تيار الماء ويمتطي كومة عشه في الوقت نفسه، وعند حدوث أية فجوة أو خلل في بناء السد يقوم القندس باستخدام الطين أو أغصان الأشجار لملئه ثانية، وهكذا يتحول السد إلى نوع من الحوض العميق يستطيع من خلاله أن يجعل من عشه مخبأً كبيراً للأغذية التي تساعده على الحياة طيلة فصل الشتاء، ويستطيع القندس أن يوسع من المساحة المائية داخل العش لنقل أكبر كمية ممكنة من الغذاء والمواد اللازمة لبناء العش وترميمه حتى أن هذا الأسلوب يجعل العش في مأمن من الأعداء، وفي هذا يشبه عش القندس قلعة محاطة بخنادق الدفاع يصعب الهجوم عليها. ويتميز عش القندس بتخطيط بارع إذ يحتوي على مدخلين سفليين تحت سطح الماء ومكان خاص أعلى من مستوى الماء للتغذية وفوقه يوجد مكان خاص للنوم إضافة إلى قناة خاصة للتهوية. وتصنع القنادس سدها قويا علي هيئة قوس مقعرا إلي الداخل وهكذا يتم إنشاء السدود الحديثة لتوليد الطاقة الكهربية. إن سلوك هذا الحيوان يعد مثالا على العقلانية والتخطيط والحساب الدقيق في كل مرحلة من المراحل، ولكن لا يمكن أن نرجع هذه الصفات إلى القندس وحده بسبب افتقاده للعقل أو أي شيء يمت بصلة إلى العقل، إذن فما مصدر سلوك الحيوان هذا؟ لا بد من وجود إجابة عن هذا السؤال، وإذا كان هذا السلوك ليس من اكتساب القندس فما مصدر هذا السلوك؟ لا شك في أن مصدر سلوك القندس ما هو إلا من صنع الله القادر على كلّ شيء الذي لا حدّ لقدرته وعلمه فهو الذي يلهم هذه الكائنات الحية ويهديها سبلها فتبارك الله أحسن الخالقين.وهكذا فهذا هو حال الكائنات التي نظن أنها لا تعقل ولا تفكر كما يقول د. محسن، ولكنها تعقل وتفكر وتصلي، كما أنها تسجد وتسبح " ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء " الحج: 18 وهكذا يوضح الدكتور محسن أن التسبيح له حالات..كلمات...وأوقات، وسيقتصر الحديث هنا علي أوقات التسبيح فقط حيث يقول الله تعالي في كتابه العزيز { واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا }، وقال تعالى (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ). وقال أيضا ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن الليل فسبحه وأدبار السجود )، وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُون} والمراد من هذه الآية الأمر بالتَّسبيح والتَّنزيه والحمد والصَّلاة له في جميع أوقات الليل والنهار، وقد أُمر المؤمن بالتَّسبيح في هذين الوقتين المتعاقبين، لأنهما آيتان حسِّيتان من آيات قدرة الله، وبإمكان المؤمن أن يشهدهما كلَّ يوم، فيستقبل نهاره بتنزيه الله عن جميع صفات النقص، ويصفه بجميع صفات الكمال، ويقرن تسبيحه هذا بالحمد والشكر على نعمائه سبحانه وتعالى، وكذلك يكون حاله عند إدبار النهار وإقبال الليل، وما الصلوات الخمس الَّتي يؤدِّيها المسلم في أوقات متعاقبة إلا بعض مظاهر التَّسبيح العملي لاشتمالها عليه وعلى الحمد أيضاً. كما سخر الله الجبال لداود يسبحن معه بالعشي والإشراق {إنَّا سخَّرنا الجِبَال معه يُسبِّحنَ بالعَشيِّ والإشراق}،وسيدنا زكريا حين بشر بيحيي "فخرج علي قومه من المحراب فأوحي إليهم أن سبحوا بكرة و عشيا". 1- كائنات تسبح طوال الليل والنهار وهم الملائكة فهم يسبحون دائما دون توقف أو ملل ودون انقطاع. ويستشهد الدكتور محسن بآية "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون" ( فصلت:37) " فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون" فالملائكة تسبح طوال الليل والنهار دون سأم أو ملل ودون انقطاع، هذا هو حال الملائكة أما بالنسبة للإنسان فهو لا يستطيع أن يفعل شيئين في وقت واحد، موضحا أن الله سبحانه وتعالي يريد أن يعلم الإنسان أن يتقن العمل كما يتقن العبادة، فمن يعمل عليه أن يركز في العمل وكذلك من يسبح، ومن ثم فقد حدد الله سبحانه وتعالي أوقات للتسبيح لتنظيم ذلك. وفي النهاية يؤكد الدكتور محسن علي أن الإنسان إذا سبح أصبح هناك تناغم وانسجام بينه وبين كل الكائنات ويدخل في إطار المسبحين، موضحا أن المرضي ومن يملك عضو مريض عليه أن يعرف أن هذا العضو المريض هو الآخر يسبح، فإذا سبح المريض سيحدث تقدم غريب في حالته لأنه سينسجم مع عضوه المريض مما يجعل هناك أبلغ أثر للدواء. فقد علمنا أن كل الكائنات تسبح لله ولكننا لا ندرك ذلك ...فهل آن الآوان أن يستحي الإنسان حين يعلم أن كل شيء يسبح لله وهو ما زال في غفلته، ندعو الله أن نكون من المسبحين وليس من الغافلين.
|
الخميس، 30 ديسمبر 2010
"تسبيح الكائنات"
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق